ترفُ التوقّف.

أفكّر كثيرًا في ترف التوقّف.

في أولئك الذين يستطيعون أن يتوقّفوا، يختفوا، يعيدوا ترتيب أنفسهم، ثم يعودوا دون أن يخسروا شيئًا كبيرًا. الذين حين يتعبون، يجدون مكانًا يسندهم، ويدًا تترك لهم الضوء مفتوحًا حتى يعودوا، ويومًا فارغًا من التزامات العالم كي يملؤوه بنومٍ طويل أو بكاءٍ بلا سبب. الذين يسمح لهم السياق أن يتعثّروا قليلًا، ثم يُكملوا وكأنّ لا شيء قد حدث.

وأتأمّل، في المقابل، أولئك الذين لا يملكون ذلك. الذين تمشي الأيام فوق ظهورهم، ولا تمنحهم فرصة للجلوس. الذين يتجاوزون الحزن بسرعةٍ لا تشبه الشفاء، فقط لأن البقاء فيه ليس خيارًا. الذين لا يتوقفون لأن خلفهم شيئًا ما سينهار، إن توقّفوا.

ثمة أناس، حين يبكون، لا يملكون ترف أن يغلقوا الأبواب على أنفسهم، ولا أن يبتعدوا حتى تهدأ نفوسهم، ولا أن يطلبوا القليل من الوقت لترتيب فوضاهم. بل يختبئون داخل يومهم المزدحم، يمسحون وجوههم بين مهمةٍ وأخرى، ويمضون كما لو أن شيئًا لم يكن.

ليسوا أقوى. لا يملكون جلدًا أكثر صلابة، ولا قلوبًا لا تنكسر. هم فقط لا يملكون ترف الانهيار. لا يملكون الرفاهية الكامنة في عبارة: “خذ وقتك.”

وكلما سمعتُ أحدهم يوصي بالراحة، بالتأمّل، بالابتعاد قليلًا، فكّرت في كل من لا يستطيع الغياب، حتى ليومٍ واحد. الذين لا ينتظرهم أحد، ولا يؤجّل من أجلهم شيء، ولا يُعاد ترتيب العالم حين يغيبون.

هؤلاء، وحدهم، يعرفون كيف يبدو الاستمرار حين لا تكون على ما يرام. كيف يبدو أن تواصل لأنك لا تملك خيارًا آخر

أولئك الذين يعيشون في الهامش، لا لأنهم أقل شأنًا، بل لأن الحياة لم تمنحهم مساحة للسقوط.

يمشون على حافة الإنهاك بصمت، ويواصلون كما لو أن التوقّف خيانة، لا رفاهية. لا أحد يرى التوازن الدقيق الذي يجرّونه خلفهم، ولا يدري كم مرّة كاد كل شيء ينهار، ثم لم يفعل… لا لأن الأشياء كانت متماسكة، بل لأنهم لم يتوقفوا. ولم يتوقفوا… لا لأنهم لا يريدون، بل لأنهم لا يستطيعون.

أضف تعليق