لم أفهم يومًا لماذا يشعرني البيت بالنجاة، رغم أنه لا يقدّم لي جديدًا.
نفس الجدران، نفس الممرات، نفس الضوء الذي يتسلل من نفس الزاوية كل صباح. ومع ذلك، في كل مرة أعود، أشعر أنني كنت على وشك أن أفقد شيئًا لولا أن وصلت.
هو الشيء الذي يحدث كل يوم دون احتفال، دون إشادة، دون أن يراه أحد كحدثٍ يُذكَر، ومع ذلك، ينقذك كل مرة دون أن تشعر.
يستقبلك بصمتٍ لا يطالبك بشيء، يأخذك من كل ما كبَتَّ، وما تجاهلت، وما حاولت أن تبدو أكبر منه، يعيدك إلى مقعدك المعتاد، إلى رائحتك في الوسادة، إلى كوبك الوحيد، إلى نعلك المُتآكل، وثيابك التي لا تُناسب الظهور لكنها تشبهك أكثر من أيّ شيء آخر في هذا العالم. هنا فقط تسقط كل الحواجز، تُرمى الأقنعة دون خجل، ويُصبح التنفّس فعلًا طبيعيًا لا يحتاج إذنًا من أحد.
لا أحد يُصنّفه كإنجاز، لكنه الفارق بين من ينهار، ومن ينهض ليوم آخر، بين من يفقد نفسه، ومن يجدها في صدر أريكة، أو على طرف سجادة، أو بين أصوات يعرفها جيدًا ولا يخاف منها.
ورغم أننا لا نعلّق صور البيت على الجدران كما نفعل مع لحظات السفر أو الاحتفال أو النجاحات، إلا أنه وحده اللحظة التي تستحق أن تُخلّد، لأنه الأحنّ، والأهدأ، والأصدق، لأنه الوحيد الذي يُشبهك حين تنزع عنك كل ما يخصّ الخارج، ويمنحك الأمان دون أن يسألك من تكون. في هذا المكان الذي لا يُصفّق له أحد، تعود لتنجو، لا لأنك قوي، بل لأنك أخيرًا لست مضطرًا أن تكون.
