الذين لم يسيروا في دربك، يتحدّثون عنك بثقة الناجي، يتباهون بنصائحهم كأنها دروع لا تُخترق، يُخبرونك كيف كان يمكن أن تنجو، كيف كان عليك أن تتصرّف، كأن الطريق الذي أنهكك لم يكن شائكًا، بل كان بإمكانك تجاوزه بقليل من الحكمة وكثير من “لو”، يتكلمون من أماكن آمنة لا تعرف الطين ولا الحفرة ولا ركضة التراجع حين يخذلك كل شيء، لأن البعيد عن المعركة يتباهى بسيفه، يلمّعه في الشمس، ويظنّ أن البريق بطولة، لا يعلم أن السيوف التي قاتلت حقًا لا تلمع، ولا تبقى مستقيمة، بل تُهشّم عند كل معركة وتنكسر في زاوية الروح قبل أن تُكسر في اليد، لا أحد منهم جرّب وعورة التضاريس التي سرت فيها، ولا ارتباك الاتجاهات حين تتشابه الطرق وتضيع البدايات والنهايات في ضباب لا يشير لشيء، لا أحد منهم سمع صوت قلبه يخذله، أو شعر بثقل السيف في يده كلما تقدّم خطوة، لا لأن المعركة طويلة، بل لأن الروح أثقل من الجسد، ولأن الحرب التي تخوضها فيك أكبر من التي حولك، ومع هذا كلّه، يَقفون على حافة حكايتك ويشيرون إلى ما كان يمكن أن يكون، دون أن يعرفوا كم مرّة حاولت، وكم مرّة رمّمت نفسك لتكمل، وكم مرّة غفرت للدنيا ولم تغفر لك.
سيفٌ لا يلمع
