منتصف لا يُشبه شيئًا

لم يكن الأمر أنني لم أحاول، لقد فعلت، بكل الطرق التي كنت أعرفها، وبكل الطرق التي لم أعرفها وجربتها رغم ذلك، مشيت وأنا أظن أنني أُشبه أولئك الذين يصلون، ظننت أنني أستطيع، أنني أقوى، أنني أملك ما يكفي، لكن شيئًا ما في الطريق كان ينسلّ منّي، شيئًا لا يُرى، لا يُوصف، لكنه يسحبك من الداخل، ببطء، بهدوء، حتى لا تنتبه أنك تفقد نفسك إلا حين تصبح غريبًا عن كل ما فيك.

توقفت في نقطة لا يمكن تسميتها بداية، ولا تُشبه نهاية، وقفت هناك، أخلع عني وهم القوّة الذي لبسته طويلًا، أخلعه وأنا أرتجف، لا لأنني ضعيفة، بل لأنني صدّقت طويلًا أنني لست كذلك، الاعتراف لم يكن مؤلمًا لأنه يفضحني، بل لأنه يهمس لي بما لم أرد أن أسمعه: “لا تصلحين”، ليس لهذا الطريق، لا لهذا الحلم، لا لهذه النسخة من نفسك التي أردتِ أن تصلي إليها.

 هناك، حين توقفت، شعرت أنني أعود أدراجي بيدين فارغتين، وروح أثقل من الجسد، أنظر لنفسي بعين لا تبرر ولا تُعذّر، بل تراقب بصمتٍ ممتلئ بالخسارات التي لا نُفصح عنها، والخطط التي دفنّاها دون أن نحزن عليها، والمجهود الذي بُذل فقط كي لا نقول: فشلت.

 أحيانًا، يكون أصعب ما في التجربة، ليس أنها كسرتك، بل أنها لم تكفِ لتُشكّلك من جديد وانها مرّت بك دون أن تترك فيك شيئًا يُعوّل عليه، تخرج منها لا أصلب، ولا أنقى، ولا أكثر وعيًا، بل فقط أكثر صمتًا، أكثر ميلًا للنجاة بأقل الخسائر، أكثر حذرًا من الأحلام الكبيرة، وأقرب لما يُشبه السلام البارد الذي لا يحتفل بشيء، لكنّه لا يخذلك أيضًا.

أضف تعليق