شيءٌ ما انطفأ

كان كل شيء عاديًا، لا مبهج ولا مؤلم. أيامه تمشي ببطءٍ مألوف، لا يتعثر بها ولا تسحبه للوراء. كان يضحك حين يُضحك، ويصمت حين يُترك، وينام كل ليلة بنفس الجسد، بنفس القلب، دون جروح جديدة. لم يكن في حاجة إلى معجزة، ولا ينتظر شيئًا كبيرًا. فقط كان يريد أن تستمر الحياة كما يعرفها… بسيطة، واضحة، قابلة للتعايش.

لكن شيئًا ما انطفأ. ليس كالحزن الذي له صوت، ولا كالوجع الذي يُقال. شيء أهدأ، أبطأ، لا يُرى فورًا، لكنه يأكل الضوء بصمت.

شعور خافت يشبه سحابة رمادية لا تمطر، لكنها تحجب الشمس.

لا يحدث فجأة، بل يتسرّب.

يبدأ بانطفاء ضوء داخلي صغير… لا يلاحظه أحد، ولا حتى هو، في البداية.

تمرّ الأيام، وتفقد ألوانها دون أن يلحظ متى بدأت تتلاشى. الأصوات التي كانت تثير فيه ضحكًا صارت تُمرّ عليه بلا أثر، والمواقف التي كانت تُحرّكه صارت تمرّ كأنها لا تخصّه. لا شيء خاطئ جدًا ليُقال، ولا شيء جيد جدًا ليستحق الاحتفال. كل شيء صار باهتًا، حتى نفسه.

لم تعد الأشياء التي يحبها تلمع. ولا الأماكن التي اعتادها تمنحه شيئًا. صار كل ما حوله بلا حرارة، بلا دلالة. كأنه يمشي داخل نسخة رمادية من العالم، يعرفها تمامًا، لكنه لا يشعر بها. وكأن قلبه، الذي كان يومًا بيتًا للدهشة، أغلق أبوابه بصمت.

لم يقل إنه حزين، ولم يطلب أحدًا. لم تكن لديه الكلمات ليشرح، ولا الرغبة ليبرر. فقط صار يمرّ بالأيام كما تمرّ الغيمة الثقيلة: لا تُمطر، ولا تنقشع. يحمل جسده كمن يحمل شيئًا لا ينتمي له، ويبتسم لأنه تعلّم ألا يترك شكواه في عيون الآخرين.

لا أحد يلاحظ حين يُطفئ الإنسان وهجه، لأنه لا يصرخ، لا ينهار، لا يطلب نجدة. فقط، يصبح أهدأ من اللازم، وأقلّ مما كان. يخفت شيئًا فشيئًا، حتى يصير ظلًا لما كان عليه، دون أن يتغير شكله الخارجي، دون أن يلاحظ من حوله أنه لم يعد موجودًا بالقدر نفسه.

وحده يعرف.
يعرف أن شيئًا داخله لم يَعُد كما هو.
يعرف أن أيامه، التي كانت على ما يُرام… لم تَعُد كذلك.

أضف تعليق